عِراكٌ في رَمَضان

لماذا التضارب في شهر رمضان المبارك؟ هل يتعلّم مالك المشاكس احترام الغير والاقلاع عن المعاصي؟

ديالا أرسلان تلحوق
العمر: 12 سنة

.مالِكٌ مُشاكِسٌ كَبيرٌ

…مَرَّةً

.رَبَطَ خَيْطَ مَصّيصٍ شَفّافٍ بَيْنَ كُرْسِيَّيْنِ وَتَسَبَّبَ بِتَعَثُّرِ التَّلاميذِ

School_Scene_1

الرسمة: رمزي قرانوح

…وَمَرَّةً

.أَحْضَرَ عُصْفورًا إِلى الصَّفِّ وَحَرَّرَهُ مِنْ قَفَصِهِ، فَسادَ الْهَرْجُ وَالْمَرْجُ

…وَمَرَّةً ثالِثَةً

أَخْفى أَحْذِيَةَ التَّلاميذِ الرِّياضِيَّةِ كَيْ يُضَيَّعُ الْوَقْتُ في الْبَحْثِ عَنْها بَدَلاً مِنْ مُمارَسَةِ الرِّياضَةِ

…وَحَدَثَ ذاتَ يَوْمٍ، في شَهْرِ رَمَضانَ، في الصَّفِّ

قالَتِ الْمُعَلِّمَةُ: “حَلَّ شَهْرُ رَمَضانَ الْمُبارَكِ عَلَيْنا، شَهْرُ الصَّوْمِ عَنِ الْأَكْلِ وَعَنِ الْمَعاصي

هاتوا أَمْثِلَةً عَنِ الْمَعاصي”. ا

:يَرْفَعُ بَدري يَدَهُ وَيُجيبُ

!السَّرِقَةُ

!إِطْلاقُ الْإِشاعاتِ

!الضَّرْبُ

!الْكَذِبُ

!الْكَلامُ الْبَذِيءُ

“!يَقْلُبُ مالِكٌ عَيْنَيْهِ وَيَزْفُرُ عالِياً: “حِكي بَدري وِانْشَرَحْ صِدْري

“.تَأْمُرُ الْمُعَلِّمَةُ مالِكاً بِالسُّكوتِ وتَكْتُبُ عَلى اللَّوْحِ: “صوموا

“.يَصيحُ بَدري: “تَصُحّوا

“!يَقولُ مالِكٌ بِاسْتِهْزاءٍ: “بَصّيم

“!يَغْضَبُ بَدري وَيُجيبُهُ: “أَفْضَلُ مِنْ أَنْ أَكونَ أَهْبَلاً

.هُنا، يَنْقَضُّ مالِكٌ بِشَراسَةٍ عَلى بَدري وَيَتَضارَبا

تَسودُ الْفَوْضى في الصَّفِ، التِّلْميذاتُ يَصْرُخْنَ وَالتَّلاميذُ يُحاوِلونَ إِبْعادَ الْمُتَضارِبَيْنِ عَنْ بَعْضَيْهِما الْبَعْض. لَكِنَّ الْإِثْنَيْنَ قَوِيّانِ وَحانِقانِ، فَهَذِهِ لَيْسَتِ الْمَرَّةُ الْأولى الَّتي يَتَلاسَنانِ بِسَبَبِ هُزْءِ مالِكٍ مِنْ جِدِّيَّةِ بَدري في الدَّرْسِ وَتَفَوُّقِهِ الْمُتَواصِلِ وَرَفْضِهِ الْاِنْصِياعِ لِشِلَّةِ مالِكِ “الْكوول”. وَقَدْ تَكَرَّرَ الْاِحْتِكاكُ بَيْنَهُما وَتَصاعَدَ التَّوَتُّرُ إِلى أَنْ وَصَلا حَدَّ التَّضارُبِ.  ا

.يَبْطَحُ مالِكٌ بَدري أَرْضاً، يَضْغَطُ عَلى حُنْجُرَتِهِ وَيَخْنُقُهُ

.تُمْسِكُ الْمُعَلِّمَةُ بِقَميصِ مالِكٍ لِتَسْحَبَهُ عَنْ بَدري، فَتُصيبُها لَكْمَةٌ مُهْتاجَةٌ توقِعُها جانِباً

أَخيراً، يَرْكُلُ بَدري مالِكاً رَكْلَةً تُفْقِدُهُ تَوازِنَهُ، فَيَفْلُتُ الْأَوَّلُ الَّذي يَتَنَفَّسُ بِصُعوبَةٍ

.وَيَأْخُذُهُ سُعالٌ مُتَقَطِّعٌ

.يُطْرَدُ مالِكٌ وَبَدري مِنَ الْمَدْرَسَةِ

سَنَوِيّاً، خِلالَ شَهْرِ رَمَضانَ الْمُبارَك، تَتَوَجَّهُ والِدَةُ مالِكٍ إِلى خَيْمَةٍ رَمَضانِيَّةٍ لِتَقْديمِ طَبَقِ إِفْطارٍ لِلْمُحْتاجينَ. هَذِهِ السَّنَةَ، يُرافِقُها مالِكٌ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ، عَلَّهُ يَرى جانِبَ الْحَياةِ الْجِدِّيِّ وَيَهْدَأَ.   ا

ها هُما يَصِلانِ خَيْمَةً في حَيٍّ مُتَواضِعٍ وَيَشْرَعانِ بِسَكْبِ الْمَأْكولاتِ في صُحونٍ وَوَضْعِها

.عَلى صينِيَّةٍ لِنَقْلِها إِلى الطّاوِلاتِ

…يَصْدَحُ الْجامِعُ بِالتَّكْبيرِ

اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلى رِزْقِكَ افْطرتُ وَبِكَ آمَنْتُ، فَتَقَبَّلْ مِنّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّميعُ الْعَليمُ، ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُروقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شاءَ اللهِ. الْحَمْدُ للهِ

…يَضْرُبُ مَدْفَعُ الْإِفْطارِ

يَحْمِلُ مالِكٌ الصّينِيَّةَ وَيَتَوَجَّهُ صَوْبَ طاوِلَةٍ لِيُقَدِّمَ حَساءً لِلصّائِمينَ. يَدورُ عَلى أَوَّلِ صائِمٍ، وَعَلى الثّاني وَعَلى الثّالِثِ، لِتَرْتَخِيَ بَعْدَ ذِلِكَ يَداهُ وَتَسْقُطُ الصّينِيَّةُ وَيَسيلُ الْحَساءُ أَرْضاً.   ا

“!يُحَدِّقُ بِبَلاهَةٍ في وَجْهِ الشّابِ الْجالِسِ أَمامَهُ: “بَدري؟

“!بَدري الَّذي يَرْمُقُهُ بِنَظْرَةِ تَحَدٍّ: “بَدري

يَصيءُ مالِكٌ: “بَدري! أَنْتَ تَفْطَرُ هُنا؟

  • .كُلَّ يَوْمٍ –

.لَمْ أَكُنْ أًعْلَمُ –

وَما يَهُمُّ لَوْ أَنَّكَ كُنْتَ تَعْلَمُ؟ –

!كُنْتُ تَصَرَّفْتُ بِطَريقَةٍ أُخْرى –

“.لا أُريدُ شَفَقَتَكَ! اِمْسَحْ نَظْرَةَ الْبَلَهِ عَنْ وَجْهِكَ

.يَجولُ مالِكٌ بِنَظَرِهِ عَلى الصّائِمينَ

.وُجوهٌ هادِئَةٌ تَفْطَرُ مُطْمَئِنَّةً

.وُجوهٌ يُنَوِّرُها الْإِيمانُ، أَكْتافٌ يَرخوها التَّواضُعُ

.مَحَبَّةٌ، أُخُوَّةٌ، رِضى وَخُشوعٌ

يُعيدُ نَظَرَهُ إِلى بَدري وَيُسِرُّ لَهُ: “لَطالَما تَساءَلْتُ لِماذا لَسْتَ كووول مِثْلَنا بَلْ مُنَشّا. كَمْ تَمَنَّيْتُ لَوْ أَتِشُّكَ بِالْماءِ! لَكِنَّني الآنَ فَهِمْتُ. فَهِمْتُ أَنَّكَ تَبْني مُسْتَقْبَلَكَ. ماذا تُريدُني أَنْ أَفْعَلَ لَكَ؟

  • .أُريدُكَ أَنْ تَحْتَرِمَني –

.فَقَط؟ بَسيطَة! يُمْكِنُني ذَلِكَ بِكُلِّ تَأْكيدٍ –

أَتُريدُ أَنْ تَفْطَرَ مَعَنا؟ –

.بِالطَّبْعِ يا بَدري! سَأُوَزِّعُ الْأَطْباقَ وَأَنْضَمُّ إِلى طاوِلَتِكُم –

“.مَكانُكَ مَحْجوزٌ –

أَيْنَ شاراتُكِ يا نونا؟

Nouna owns up to a grave mistake in order to save her brother from evil.

ماذا تخفي نونا؟ قصة بنت تعترف بشجاعة بخطإ كبير اقترفته كي تنقذ أخاها من الوقوع في مصيبة

 ديالا أرسلان تلحوق

العمر: 12 سنة

1

.أَلْموسيقى تَصْدَحُ مِنْ غُرْفَةِ نونا

لا يَسْتَطيعُ والِدُها مازِنُ التَّرْكيزَ عَلى عَمَلِه، فَيَتَوَجَّهُ إِلى غُرْفَتِها وَيَطْرُقُ الْبابَ طَرْقاً شَديداً.      ا

.تَفْتَحُ لَهُ نونا، فَيَعْلو زَعيقُ الْموسيقى

“!يَصْرُخُ مازِنُ مِنْ فَوْقِ الزَّعيقِ الْمُصِمّ: “أَخْفِضي صَوْتَ الْموسيقى يا نونا

وَما أَنْ تَـخْفُضَ الصَّوْتَ حَتّى يَهْدَأَ الْـجَوُّ وَيَرْتَـخِيَ كَتِفا الْأَبِ الْمُتَوَتِّر: “هَذا الصَّخَبُ لا يُطاق! أَلا يـُمْكِنُكِ أَنْ تَسْتَمْتِعي بِالْأَغاني دونَ أَنْ تُزْعِجي الْعائِلَة؟”      ا

تَرْفَعُ الْبِنْتُ يَداً تَرُنُّ بِأَساوِرٍ مُلَوَّنَةٍ وَتُـخَلْخِلُ بِـخَواتِـمٍ فِضِّيَّةٍ لِتَضْبُطَ خُصْلَةَ شَعْرٍ وَراءَ أُذُنِـها، وَتَعْتَرِضُ: “وَلَكِنَّني يا بابا، أُحِبُّ سَماعَ هَذِهِ الْأُغْنِيَةِ بِالذّاتِ بِصَوْتٍ عال!      ا

  • “.وَهَذِهِ الطَّريقَةُ بِالذّاتِ مُزْعِجَةٌ! موسيقاكِ تَـمْنَعُني مِنَ التَّرْكيزِ عَلى عَمَلي –

“!تَقْلُبُ نونا عَيْنَيْها إِلى أَعْلى وَتَقولُ مُسْتَسْلِمَة: “حَسَناً بابا! سَأَخْفُضُ الصَّوْت

“.يَتَنَهَّدُ أَبوها وَيَقولُ لَها: “حَبيبَتي، إنْزِلي إلى الصَّيْدَلِيَّةِ وَاشْتَري لي دَواءَ وَجَعِ الرَّأْس

PicsArt_02-29-04.16.33

           رسمة: ميثاء الخياط

 

 

 أَلْمِصْعَدُ بَطيءٌ وَنونا مُسْتَعْجِلَةٌ لِلْعَوْدَةِ إلى الرَّقْص، فَتُقَرِّرُ اسْتِعْمالَ السَّلالِم. تَنْزِلُـها إثْنَيْنِ إثْنَيْن. في أَحَدِ الطَّوابِق، تَضْبُطُ أَخاها التَّوْأَمَ جالِساً عَلى الدَّرَجِ يُدَخِّن. تُسَمِّرُ الْمُفاجَأَةُ الْأَخَوَيْنِ لِلَحْظَةٍ، يُكْمِلُ بَعْدَها الْأَخُ التَّدْخين.      ا

“دُرَيْد! أَنْتَ تُدَخِّن؟”

  • كَما تَرين…       ا –

  • مُنْذُ مَتى؟ –

    “.مُنْذُ أَنْ باضَ الدّيك! دَعيني أُكْمِلُ سيجارَتي عَلى رَواق –

“!لا تُصَدِّقُ نونا ما تَسْمَعُه. تَقولُ لَهُ: “يَجِبُ أَنْ تُقْلِعَ عَنْ هَذِهِ الْعادَةِ حالاً

“يَأْخُذُ دُرَيْدُ مَـجَّةً أُخْرى وَيَتَفَحَّصُ أُخْتَه، ثُـمَّ يَسْأَلُـها: “ما هَذِهِ الدَّبابيسُ كُلُّها يا نونا؟

تَنْظُرُ نونا إلى شاراتٍ ذاتَ دَبابيسٍ مُشْكَلَةً عَلى قَميصِها وَجينْزِها الْمُـمَزَّقِ وَتُجيبُه: “هَذِهِ صُوَرُ أَشْهَرِ الْمُغَنّينَ وَالْفِرَقِ الْموسيقِيَّة.      ا

…إِنَّـها كَثيرَةٌ –

  • “.نَعَمْ –

يَبْتَسِمُ تَوْأَمُها وَيَسْأَلُـها: “وَهَلِ اشْتَرَيْتِ كُلَّ هَذِهِ الشّارات؟

  • “.نَعَم –

هَلْ لاحَظَ احْمِراراً طَفيفاً يَعْلو وَجْنَتَيْها؟

“وَكَمْ ثَـمَنُها؟”

  • “.لَـمْ أَعُدْ أَذْكُر –

هَلْ سَمِعَ رَجْفَةً خَفيفَةً في صَوْتِها؟

“نونا، بابا لا يُعْطيكِ مَبْلَغاً كَبيراً مِنَ الْمال. كَيْفَ اسْتَطَعْتِ كُلِّ هَذِهِ الشّارات؟”

  • “.أَ… أَ… بَدَأْتُ بِتَجْميعِها مُنْذُ مُدَّةٍ طَويلَة. وَصَديقاتي يُهدِينَني مِنْها –

هَلْ رَأى بُؤْبُؤَ عَيْنَيْها يَتَّسِعُ قَليلاً وَرِمْشَيْها يَرْمُشانِ بِاضْطِراب؟

“.قالَ لَها: “أَنْتِ أَيْضاً تُخْفينَ شَيْئاً

“.أَجابَتْه: “بابا بِحاجَةٍ إلى دَواء. سَأَنْزُلُ الْآنَ لِأَجْلُبَهُ لَه

“.إسْتَدارَتْ وَأَكْمَلَتْ طَريقَها نُزولاً. فَكَّرَت: “إِنَّهُ يَعْرِف. دُرَيْدُ يَعْرِف

 

 

2

.أَصْبَحَ دُرَيْدُ يُدَخِّنُ أَمامَ أُخْتِهِ التَّوْأَم، مُتَأَكِّداً أَنَّها لَنْ تَفْضَحَ أَمْرَهُ لِوالِدِهِما

لَكِن… لِماذا تَخافُ نونا مِنْ إفْشاءِ سِرِّه؟

شَيْئاً فَشَيْئاً، تَغَيَّرَتْ أَطْباعُ دُرَيْد. إِحْتَكَرَ هاتِفِهِما النَّقّالِ، وَضَعَ لَهُ كَلِمَةَ سِرٍّ وَصارَ يَتَهامَسُ مَعَ مُتَّصِلين، وَكَأَنَّهُ يُخْفي ما هُوَ أَسْوَأُ مِنَ التَّدْخين.      ا

:نَصَحَتْهُ أُخْتُهُ مَرّاتٍ عِدَّةٍ بِالْاِقْلاعِ عَنِ التَّدْخين، فَكانَ يُبادِلُها بِـ

“.شوفي شِغلك. مشكلتك أكبر من مشكلتي”

.أَضْحَتْ نونا حَزينَة. لا تَسْتَمِعُ إلى الْموسيقى وَلا تَضَعُ شاراتِها

:قَلِقَ الْوالِدُ عَلَيْها، فَدَخَلَ غُرْفَتَها وَسَأَلَها

“أَيْنَ شاراتُكِ يا نونا؟”

تَفاجَأَتِ الْبِنْتُ بِسُؤالِ والِدِها، فَتَرَدَّدَتْ بِالْإِجابَة: “لَـمْ أَعُدْ أُحِبُّها… أَعْني أَنَّني لا أَرْغَبُ في لِبْسِها… أَعْني… سَتُمَزِّقُ ثِيابي!      ا

  • وَلِماذا لا تَسْتَمِعينَ إلى الْموسيقى؟ –

  • “.رَأْسي يُؤْلِمُني

جَلَسَ مازِنٌ مُتَراخِياً عَلى السَّرير، تَنَهَّدَ وَسَأَلَ ابْنَتَه: “هَلْ هُناكَ شَيْءٌ تُريدينَ أَنْ تَبوحي لي بِه؟

  • .لا يا والِدي! لا شَيْء!” أَجابَتْ بِصَيْحَةٍ حادَّة –

“.طَوَّقَ مازِنٌ كَتِفَيْ ابْنَتِهِ وَقالَ لَها بِـهُدوء: “أَنا لا أُصَدِّقُكِ يا نونا. أَظُنُّ أَنَّكِ تُـخْفينَ عَنّي شَيْئاً

“!هَمَّتْ بِالْإِجابَة، فَقاطَعَها: “آء.. آء.. آء.. لا تَقولي كَلاماً غَيْرَ حَقيقِيّ! أَنا لَسْتُ غَبِيّاً

.صَمَتَتْ وَلَمْ تُجِبْ بِشَيْء

صَمَتَ مازِنٌ بِدَوْرِه. أَخيراً، نَهَضَ وَخاطَبَها: “يُـمْكِنكِ أَنْ تَثِقي بي يا نونا. عِنْدَما تَشْعُرينَ بِالرَّغْبَةِ في التَّكَلُّمِ مَعي عَنِ الْأَمْر، تَعالَيْ إِلَيَّ…” وَانْصَرَفَ.      ا

 

 

3

ذاتَ يَوْم، جُنَّ جُنونُ نونا. رَأَتْ دُرَيْدُ يَصْعَدُ سَيّارَةَ أَبو وَلْعَة. وَأَبو وَلْعَةَ هَذا وَلَدٌ سَيِّءُ السُّمْعَة، لَهُ مَشاكِلَ مَعَ الشُّرْطَة، نَبَّهَهُما والِدُهُما إلى عَدَمِ التَّعاطي مَعَه. سُكّانُ الْحَيِّ يَتَجَنَّبونَهُ وَيَتَوَشْوَشونَ بِأَنَّهُ يُعاشِرُ أَهْلَ السّوء.      ا

.عادَ دُرَيْد إلى الْبَيْتِ عَيْناهُ حَمْراوانِ ناعِسَتان

“سَأَلَتْهُ نونا: “أَيْنَ كُنْتَ؟

.لا إجابَة

“.رَأَيْتُكَ تَرْكَبُ سَيّارَةَ أَبو وَلْعَة”

.لا إجابَة

“!إلى أَيْنَ أَخَذَكَ وَماذا يُريدُ مِنْك؟ أَجِبْني دُرَيْد”

.لا إجابَة

أَمْسَكَتْ نونا بِياقَتِهِ وَهَزَّتْهُ، فَما كانَ مِنْهُ إلّا أَنْ دَفَعَها بِغَضَبٍ، فَأَوْقَعَها وَصاحَ بِها: “إيّاكِ أَنْ تَتَدَخَّلي في أُموري! أُخْرُجي مِنْ غُرْفَتي قَبْلَ أَنْ أُمَزِّقَك!”      ا

نَهَضَتْ نونا غَيْرَ مُصَدِّقَةٍ ما حَصَل. تَوَجَّهَتْ فَوْراً إلى غُرْفَةِ أَبيها وَصَفَقَتِ الْبابَ صَفْقاً وَراءَها.      ا

“أُجْفِلَ مازِنٌ وَنَظَرَ إلَيْها مُسْتَفْسِراً: “ما الَّذي دَهاك؟

إِنْفَجَرَتْ نونا بِالْبُكاءِ وَرَكَضَتْ تُخْفيَ وَجْهَها في صَدْرِ والِدِها: “أَ.. أَنا آ.. آســِ… ســِ… سِفَةٌ يا بابا! لَــ… لَقَدِ ارْتَكَبْتُ غــَ… غَلْطَةً فَــ… فَظيــ… ظيعَةً وَلا أَعْرِفُ كَــ… كَيْفَ أُصَحِّحُ خـــَـ… خَطَإي!      ا

  • “.قولي لي ما هِيَ الْغَلْطَة، وَسَأُساعِدُك

“…أَخْفَضَتْ نونا صَوْتَـها، حَتّى كادَ مازِنٌ لا يَسْمَعُها: “أَخْجَلُ مِنَ الْبَوْحِ بِـما حَدَث

“.كَتَّفَ مازِنٌ ذِراعَيْهِ وَانْتَظَرَ. وَأَخيراً، تَكَلَّمَت: “لَـمْ أَشْتَرِ تِلْكَ الشّارات

“.أَخَذَتْ نَفَساً عَميقاً وَتابَعَتْ: “لَقَدْ سَرَقْتُها

.خَيَّمَ صَمْتٌ عَلى الْغُرْفَة

“!بِدَوْرِهِ أَخَذَ مازِنٌ نَفَساً عَميقاً، وَقالَ بِأَسَفٍ: “آه يا نونا

“.إِنْـهَمَرَتْ دُموعٌ حارَّةٌ عَلى خَدَّيْها، وَقالَت: “بابا، هُناكَ شَيْءٌ يَـجِبُ أَنْ تَعْرِفَهُ عَنْ دُرَيْد

رائِدٌ أَفْضَلُ مِنّا بِكَثير

Autism emblem

April is Autism Month. This story is dedicated to autistic kids, their family & friends.

.شهر نيسان/إبريل شهر التوحّد. هذه القصة مهداة إلى المتوحّدين، عائلتهم وأصدقائهم

سحر نجا محفوظ

الرسوم: عائشة الرئيسي

  العمر: 6 سنوات

 

إلى ميا وجاد

.فَتىً مُـخْتَلِفٌ عَنِ الْآخَرين، يُحِبُّ الْبَقاءَ وَحْدَهُ وَلا يَرْغَبُ أَنْ يَـمُسَّهُ أَحَد. يَرْتادُ مَدْرَسَةً مُتَخَصِّصَةً بِالتَّعامُلِ مَعَ حالَتِه

.رائِدٌ لَيْسَ مِثْلَنا، لَقَدْ وُلِدَ مُـخْتَلِفاً وَكَبُرَ مُـخْتَلِفاً

 1

.رائِدٌ يَنْظُرُ إلى الْأَشْياءِ بِطَريقَتِه، يُراقِبُها بِطَريقَتِهِ وَيَحُسُّ بِـها بِطَريقَتِه

.رائِدٌ لَيْسَ مِثْلَ إخْوَتِهِ أَوْ أَقارِبِه، إِنَّهُ مُـخْتَلِفٌ وَمُـمَيَّزٌ عَنْهُم، وَيُدْرِكُ والِداهُ ذَلِك

2 1

لَـمْ يَطْلُبْ رائِدٌ أَنْ يَكونَ مُـخْتَلِفاً، بَلْ وَجَدَ نَفْسَهُ كَذَلِك. لَـمْ يَفْهَمْ لِـمَ هُوَ بِالتَّحْديدِ يُفَكِّرُ بِشَكْلٍ مُغايِر، لِـمَ يَـحْفَظُ ما يَراهُ وَيَسْتَطيعُ رَسْمَهُ بِتَفاصيلِهِ الدَّقيقَة، لِـمَ تَقولُ والِدَتُهُ أَنَّهُ الْأَذْكى وَيَراهُ أَخاهُ الْأَلْطَف، بَيْنَما يُعامِلُهُ بَعْضُ أَبْناءِ الْجيرانِ عَلى أَنَّهُ الْأَضْعَف؟

 3

 لِـمَ لا يَذْهَبُ إِلى مَدْرَسَةِ الْحَيِّ مِثْلَ باقِيَ الْأَوْلاد؟ لِـمَ تُعَلِّمُهُ والِدَتُهُ كَيْفَ يَرْتَدي ثِيابَهُ كُلَّ صَباحٍ وَكَيْفَ يَرْبُطُ حِذاءَه؟ لِـمَ ما زالَتْ تُـمْسِكُ بِيَدِهِ عِنْدَما يَـمْشِيانِ في الشّارِع؟ لِـمَ هُوَ كَذَلِك؟

 4 1

لَقَدْ رَأَى والِدُهُ الْأَمَلَ في عَيْنَيْه، رَأَى مَوْهِبَتَهُ وَذَكاءَهُ الْمُخْتَبِئَ خَلْفَ ذَلِكَ الْوَجْهِ الْخالي مِنَ التَّعْبيرِ فَرَحاً أَوْ حُزُناً، غَضَباً أَوْ سَعادَة. رَآهُ يَرْسُمُ وَيُلَوِّنُ بِشَغَف، فَأَحْضَرَ لَهُ عِدَّةَ رَسْمٍ خاصَّةٍ بِه، دَفاتِرَ وَأَقْلاماً وَأَلْواناً.    ا

.أَصْبَحَ لِرائِدٍ هَدَفٌ، إِنَّهُ يَطْبَعُ ما يَراهُ عَلى الْوَرَقِ فَيَخْرُجُ عَمَلُهُ جَميلاً رائِعاً وَأَلْوانُهُ قَوِيَّةً صارِخَةً بِوُجودِها

.أَصْبَحَ رائِدٌ مُـخْتَلِفاً حَتّى في هَذا

 5

.رائِدٌ لَيْسَ مِثْلَنا

.في الرَّسْمِ وَالتَّلْوينِ وَالْفُنون، رائِدٌ أَفْضَلٌ مِنّا بِكَثير

6 1

نَعَمٌ، أَنا أَكْذُب

What makes our heroine lie to her classmates, her teacher and even her mother?
 This story, “I, A Liar” is one that makes the youth comfortable in their skin, instead of being ashamed of their circumstances.     1
Sahar Naja Mahfouz is author of many stories for children, including “Milia, The Giraffe”, “My dancing Letters”, “Loz and Sukkar”, “Grandma’s Cabbage”, “Ahmar Helou”, “I Wish I Could Say No” and “The Incredible Vest”.    1
ما الّذي يجعل تلميذة تكذب على رفيقاتها ومعلّمتها وحتى أمّها؟
قصة “أنا أكذب” تخاطب من يشعر بالدونية بسبب وضعه الاجتماعي وتحثّه على تقبّل نفسه وظروفه والعمل على تحسينها بدل التحسّر على واقعه     .      ا
سحر نجا محفوظ مؤلفة العديد من القصص منها “الزرافة ميليا”، “حروفي ترقص”، “لوز وسكّر”، “ملفوفة جدّتي”، “أحمر حلو”، “يا ليتني أقول لا” و”السترة العجيبة”.     ا

سحر نجا محفوظ

العمر: 5 سنوات

أَنا الْأُولى في الصَّفِّ وَمُعَلِّمَتي تُحِبُّني جِدّاً. أَنا فَنّانَةٌ وَمُمَثِّلَةٌ في مَسْرَحِياتِ الْمَدْرَسَة.

أَنا مُمَيَّزَةٌ وَمُجْتَهِدَةٌ.

أَنا…

أَكْذُبُ عَلى ابْنَةِ خالي الَّتي اكْتَشَفَتْ أَنَّني لَسْتُ مُمَيَّزَةٌ وَلا مُجْتَهِدَةٌ. حَتّى أَنَّني لَسْتُ مِنَ الْأَوائِلِ في

صَفّي، بَلْ أَنَّني خَجولَة، وَلا تَتَذَكَّرُ اسْمي مُعْظَمُ الزَّميلات.

لَمْ تَعُدْ ابْنَةُ خالي تُصَدِّقُني وَابْتَعَدَتْ عَنّي.

 

 

أَنا أَعيشُ في مَنْزِلٍ كَبيرٍ جِدّاً. لي غُرْفَتي الْخاصَّة، وَهِيَ واسِعَةٌ وَرْدِيَّةُ اللَّوْن.

تُفْرِحُني أُمّي بِوَضْعِ حَلوى مُلَوَّنَةٍ في الْغُرْفَةِ.

عِنْدي بيانو جَديدٍ أَعْزِفُ عَلَيْه.

أَنا…

أَكْذُبُ عَلى صَديقَتي الَّتي أَتَتْ مَعَ أُمِّها في زِيارَةٍ مُفاجِئَةٍ إلى بَيْتِنا. أَتَتْ لِتَحْضيرِ الْفَطائِرِ مَعَ والِدَتي

لِمُناسَبَةِ حَفْلِ مَدْرَسَتِنا السَّنَوِيِّ.

وَجَدَتْ صَديقَتي مَنْزِلَنا مُتَواضِعاً أَتَشارَكُ فيهِ غُرْفَةً مَعَ شَقيقَتي الْكُبْرى، وَعِنْدي أَرْغِنٍ صَغيرٍ لِأَتَسَلَّى

عَلَيْه، لا بيانو جَديد.

إِبْتَعَدَتْ عَنّي هِيَ أَيْضاً وَلَمْ تَعُدْ تُكَلِّمُني إِلّا قَليلاً. 

 

 WP_20160323_001

 الرسمة: إيليجا ميلر – المدرسة اللبنانية الفرنكوفونية في دبي

أَنا مَريضَةٌ وَرَأْسي يُؤْلِمُني كَثيراً وَأَحُسُّ بِدُوار. لَمْ آكُلْ مُنْذُ يَوْمَ أَمْس.

أَنا مُعَذَّبَةٌ في بَيْتي، وَأُسْرَتي لا تَهْتَمُّ بي.

أَنا…

أَكْذُبُ عَلى مُعَلِّمَتي الَّتي، لِحَظّيَ السَّيِّءِ، تَعْرِفُ أُمّي مِنْذُ الصِّغَر.

لَقَدْ كَشَفَتْ مُعَلِّمَتي كَذِبي وَلَمْ تَعُدْ تَثِقُ بي أَبَداً حَتّى لَوْ كُنْتُ فِعْلاً مَريضَة.

 

 

أَنا نَشيطَةٌ أُنْهي دُروسي بِسُرْعَة، فَالْمُعَلِّماتُ لا يُعْطينَنا الْكَثيرَ مِنَ الْفُروضِ الْمَدْرَسِيَّةِ، وَلِذَلِكَ لَدَيَّ

الْوَقْتُ الْكافِيَ لِلَّعِبِ وَمُشاهَدَةِ التِّلْفاز.

أَنا أَفْهَمُ الدُّروسَ بِسُرْعَةٍ وَأَحْفَظُها مِثْلَ الْبَرْق.

أَنا…

أَكْذُبُ عَلى أُمّي الَّتي تَكْتَشِفُ كَذِبي بِسُهولَةٍ فَتُؤَنِّبُني، وَتَمْنَعُني مِنَ اللَّعِبِ، وَتُجْبِرُني عَلى إِنْهاءِ واجِباتي.

لَكِنَّها لا تَبْتَعِدُ عَنّي وَلا تَتَوَقَّفُ عَنْ حُبّي.

تُفْهِمَني أَنَّ “حَبْلَ الْكَذِبِ قَصيرٌ” وَلا بُدَّ لِلْكاذِبِ أَنْ يَنْكَشِفَ أَمْرُه.

أَخْجَلُ مِنْ نَفسي.

أَعِدُ أُمّي أَنْ لا أَكْذِبَ بَعْدَ الْيَوْم.

 

 

سَوْفَ أَعْتَذِرُ إِلى ابْنَةِ خالي وَصَديقَتي وَمُعَلِّمَتي وَكُلِّ مَنْ كَذَبْتُ عَلَيْه.

سَأَكونُ صادِقَةً وَشُجاعة.

سَأَجْتَهِدُ في الْمَدْرَسَة.

سَأَفْتَخِرُ بِما لَدَيَّ في الْمَنْزِل.

سَأَعْتَرِفُ أَنَّ أُسْرَتي وَأَهْلي هُمُ الْأَعْظَمُ وَالْأَجْمَلُ في حَياتي.

 

أَنا…

لا أَكْذِبُ هَذِهِ الْمَرَّة، أَعِدُكُم.

ثَوْرَةُ مَلابِس

This story is about sticking it together when friends face trouble. It is about humility in being able to recognize one’s mistake and doing something to right it.
When Rami flings his torn sock into a garbage bin, Rami’s other clothes rebel and come together to save their friend, the discarded sock.
Kathy is the author of the highly popular, witty and entertaining book “Life As A Labneh Lover”.
Maitha AL Khayat is both an author and illustrator of children’s books. her amazing works include “I Love Dad’s Long Beard”, “Mom’s Amazing Socks” & “Uncle Khilfan’s Lambs”.
Diala Arslan Talhouk has translated Kathy’s story “Strangeness In The Park” into Arabic.
ثورة ملابس” للكاتبة كاثي شلهوب تبيّن أهمية مؤازرة الصديق واحتضان المنبوذ.     ا”
.عندما يرمي رامي جوربه المثقوب “ثقّوب” في سلة النفايات، تهبّ ملابسه لمناصرة ومساعدة ثقّوب
قدّمت رسمة القصة الكاتبة والرسامة ميثاء الخياط، مؤلفة “أحبّ لحية أبي الطويلة”، “جوارب أمي العجيبة” و”خرفان عمّي خلفان.”      ا
.”كاثي شلهوب كاتبة رواية بالإنكليزية عن حياتها كإبنة عائلة مختلطة من أب بولوني وأمّ لبنانية بعنوان “حياة عاشقة اللّبنة
.”قامت ديالا أرسلان تلحوق بتعريب قصة “ثورة ملابس
 

كاثي شلهوب

العمر: 7 سنوات

مَنْ كانَ يَتَخَيَّلُ أنَّ يَوْماً عادِيّاً في مُنْتَزَهٍ عادِيٍّ سَيَنْقَلِبُ إلى يَوْمٍ مَليءٍ بِالْمُغامَرات؟

كانَ رامي يَلْعَبُ مَعَ أَصْدِقائِهِ في مُنْتَزَهٍ. خَلَعَ جَوارِبَهُ وَحِذاءَهُ كَيْ يَسْتَمْتِعَ بِحُبَيْباتِ الرَّمْلِ تُدَغْدِغُ أَصابِعَ رِجْلَيْه. كَمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْمِسَ أَصابِعَهُ في الرَّمْل!    ا

هَيّا رامي، حانَ وَقْتُ الْعَوْدَةِ إلى الْبَيْت،” قالَتْ أُمُّهُ وَسَبَقَتْهُ إلى السَّيّارَةِ تَنْتَظِرُهُ داخِلَها.    ا”

.لَبِسَ رامي الْجَوْرَبَ الْأَوَّل. ثُمَّ، وَهُوَ يَضَعُ الْجَوْرَبَ الثّاني، لاحَظَ ثُقْباً قُرْبَ إصْبَعَهُ الْكَبير

رسمة ميثاء ثورة ملابس

رسمة: ميثاء الخياط

……….يييييييي

إقْتَلَعَ الْجَوْرَبَ الْمَثْقوبَ مِنْ رِجْلِهِ وَوَرَّهُ في سَلَّةِ النُّفايات، مُعْلِناً: “لَنْ أَرْتَدِيَ جَوْرَباً مَثْقوباً!”  ا

عِنْدَها، حَصَلَ شَيْءٌ عَجيبٌ: إنْسابَتِ الْفَرْدَةُ الْأُخْرى عَنْ رِجْلِ رامي، وَثَبَتْ بَعيداً عَنْهُ وَجَلَسَتْ وَحيدَةً عَلى مَقْعَدٍ في الْحَديقَة. نَظَرَ إلَيْها رامي بِدَهْشَة، وَقَبْلَ أنْ يَنْبَسَ بِكَلِمَة، بَدَأَتْ كَنْزَتُهُ تَنْبَسِط، تَتَمَدَّدُ وَتَتَجَعَّدُ حَوْلَ رَقَبَتِه. فَجْأَة، إنْتَفَضَتْ وَطارَتْ إلى الْمَقْعَدِ حَيْثُ تَقْبَعُ فَرْدَةُ الْجَوْرَب.  ا

هاااااااي! إرْجَعي!” صاحَ بِها رامي.  ا”

.لَكِنَّ الْكَنْزَةَ شَبَكَتْ ذِراعَيْها وَأَدارَتْ لَهُ ظَهْرَها

.حَسَناً! إبْقي هُناك! لا يَهُمُّني!” هَزَّ رامي كَتِفَيْهِ غَيْرَ مُبالٍ، وَمَدَّ يَدَهُ صَوْبَ حِذائِه”

هَرْوَلَ الْحِذاءُ قَبْلَ أَنْ تَصِلَهُ يَدُ الصَّبِيّ. إنْدَفَعَ رامي وَراءَه، لَكِنَّ الْحِذاءَ كانَ أَسْرَعَ مِنْه. طارَدَهُ رامي مَرَّةً بَعْدَ مَرَّة، مُحاوِلاً الْقَبْضَ عَلَيْه. وَلَكِنْ مَعَ كُلِّ مُحاوَلَة، كانَ الْحِذاءُ يَقْفُزُ مُسْرِعاً وَيَبْتَعِدُ أَكْثَرَ فَأَكْثَر، إلى أَنْ وَصَلَ إلى مَمَرٍّ يُؤَدّي إلى بِرْكَة، فَتَوَجَّهَ صَوْبَها.    ا

.طَلَبَ مِنْهُ رامي أَنْ يَعودَ أَدْراجَه، فَلَمْ يَلْقَ جَواباً سِوى رِباط حِذاءٍ شارِدٍ يُلَوِّحُ لَهُ مُوَدِّعاً

.حَسَناً، أنا لا أَحْتاجُ إلَيْك،” قالَ رامي”

بَدَأَتِ الشَّمْسُ تَنْسَحِبُ خَلْفَ الْبَحْرِ وَالرّيحُ تَتَسارَعُ وَتَنْفُخ. وَفيما طارَتِ الْأَوْراقُ الْمُتَساقِطَةُ فَوْقَ رَأْسِ رامي وَبَدَأَ الظَّلامُ يَسودُ الْمَكان، إرْتَعَشَ الصَّبِيُّ وَحَضَنَ نَفْسَه. ما الَّذي أَصابَ مَلابِسَه؟

إخْتَلَسَ الْجَوْرَبُ الْمَثْقوبُ “ثَقّوبُ” النَّظَرَ مِنْ سَلَّةِ الْمُهْمَلات. كانَ رامي واقِفاً قُرْبَ بِرْكَةِ الرَّمْل، حافِيَ الْقَدَمَيْن، بَرْداناً تَعيساً.    ا

أَشْفَقَ “ثَقّوبُ” عَلَيْهِ وَفَكَّرَ أَنَّهُ لَوْ عادَ إلَيْه، سَيَلْبَسُهُ رامي وَيَشْعُرُ بِالدِّفْء. دَنا مِنْهُ وَلامَسَ رِجْلَه. لَكِنَّ رامي رَكَلَهُ رَكْلَةً عَلَّقَتْهُ عَلى مِقْبَضَ نَوَسان*.    ا

.لَنْ أَرْتَدِيَ جَوْرَباً مَثْقوباً!” أَصَرَّ رامي”

لَمْ تَمْضِ بِضْعُ ثَوانٍ حَتّى الْتَفَّتِ الْتي-شيرْت كَدَوّامَةٍ وَأَقْلَعَتْ مِنْ رَأْسِهِ وَحَطَّتْ عَلى شَجَرَةٍ قَريبَة، وَانْزَلَقَ سِرْوالُهُ عَنْ خَصْرِهِ مُحاوِلاً الْفِرار.    ا

.لا! لا! لَنْ تَهْرُبَ أَنْتَ الْآخَر!” أَسْرَعَ رامي يُمْسِكُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُهَرْوِل”

.لَكِنَّ السِّرْوالَ كانَ عَنيداً مِثْلَ صاحِبِه، فَعَقَدَ فَرْدَتَيْهِ بَعْضِهِما بِبَعْض، رافِضاً الْحَراك

.ما الْعَمَل؟ تَساءَلَ رامي، فَقَدِ اشْتَدَّ الْبَرْدُ وَبَدَأَ يَحُلُّ الظَّلام

!ها إنَّ الْأَوْلادَ يُغادِرونَ الْمُنْتَزَه، وَأُمَّهُ تَنْتَظِرُهُ في السَّيّارَة. عَلَيْهِ أَنْ يُسْرِع

.أَنا بَرْدانٌ وَتَعْبانٌ يا سِرْوال! دَعْني أَلْبَسُكَ كَيْ أَعودَ إلى الْبَيْت،” رَجاهُ رامي وَهُوَ يَتَشَبَّثُ بِه”

. فَما كانَ مِنَ السِّرْوالِ إلاّ أَنْ زادَ مِنْ قَبْضَتِهِ حَوْلَ بَطَّتَيْ ساقَيْ صاحِبِه

قَفَزَتِ الْكَنْزَةُ عَنِ الْمَقْعَدِ وَأَسْرَعَتْ صَوْبَ “ثَقّوب”. ساعَدَتْهُ عَلى النُّزولِ عَنْ مِقْبَضِ النَّوَسانِ وَاقْتادَتْهُ حَيْثُ جَلَسَ رامي. لَكِنَّ الصَّبِيَّ ما زالَ عَلى مَوْقِفِه. أَدارَ ظَهْرَهُ وَتَصارَعَ مَعَ السِّرْوالِ الْعَنيد، الْمُصِرِّ عَلى مَوْقِفِهِ هُوَ أَيْضاً.     ا

.آآآآآآآ !” صَرَخَ رامي بِحَنَق”

.ثُمَّ حَصَلَ شَيْءٌ رَهيب

.إهْتَزَّ سِرْوالُهُ الدّاخِلِيُّ وَارْتَعَش، مُهَدِّداً بِتَرْكِهِ هُوَ أَيْضاً

.لَيْسَ سِرْوالي الدّاخِلِيّ!” نَظَرَ رامي حَوْلَه. ما زالَ بَعْضُ الْمُتَنَزِّهينَ في الْجِوار”

“تَشَبَّثَ بِسِرْوالِهِ الدّاخِلِيِّ وَصاحَ بِثِيابِه: “ما الَّذي تُريدونَهُ مِنّي؟

إنْسابَتِ الْتي-شيرْت عَنِ الشَّجَرَةِ وَالْجَوْرَبُ عَنِ الْمَقْعَد. إنْضَمّا إلى السِّرْوالِ وَالْكَنْزَة، وَوَقَفوا كُلُّهُمُ أَمامَ رامي يَنْتَظِرونَ عَوْدَةَ الْحِذاءِ مَزْهُوّاً.    ا

.”تَحَلَّقَتِ الثِّيابُ حَوْلَ “ثَقّوب

.أَخيراً، تَنَبَّهَ رامي إلى مَطْلَبِهِم: إنَّهُمْ لَنْ يَتَخَلَّوا عَنْ صَديقِهِم

.أَوْشَكَتِ الشَّمْسُ عَلى الْمَغيبِ كُلِّيّاً. ضَغَطَتْ أُمُّهُ عَلى الزَّمّور. شَعَرَ رامي بِبَرْدٍ شَديد

.وَلَكِنَّهُ مَثْقوب”، أَنَّ رامي”

شَبَكَتِ الْكَنْزَةُ يَدَيْها، جَدَلَتِ التّي-شيرْت كُمَّيْها، وَضَعَ السِّرْوالُ ساقاً فَوْقَ ساق، وَقَفَ الْجَوْرَبُ جانِبَ شَريكِهِ وَنَقَرَ الْحِذاءُ الْأَرْضَ تَمَلْمُلاً. عادَتْ مُمَغَّطَةُ سِرْوالِهِ الدّاخِلِيِّ تَهْتَزّ.    ا

.طَيِّب، طَيِّب! قَبِلْت! سَأَرْتَديه”، أَعْلَنَ رامي، فَقَدْ لَمَعَتْ فِكْرَةٌ في رَأْسِه”

.إقْتادَتِ الْكَنْزَةُ بِلُطْفٍ “ثَقّوبَ” صَوْبَ رامي. قَفَزَ الْجَوْرَبُ إلى يَدِه. وَقَفَتْ باقِيَ الثِّيابِ تُراقِب

إرْتَدى رامي الْجَوْرَب، مُدْخِلاً إِصْبَعَهُ الْكَبيرَ بِعِنايِةٍ في الثُّقْب. ثُمَّ انْدَفَعَ صَوْبَ حَقيبَةِ ظَهْرِه، أَخْرَجَ مِنْها قَلَماً أَزْرَقاً وَرَسَمَ وَجْهاً باسِماً عَلى ظِفْرِه.    ا

.هَزْهَزَ رامي أَصابِعَ رِجْلِهِ، فَابْتَسَمَ لَهُ الْوَجْه. هَزْهَزَ أَصابِعَ رِجْلِهِ، فَابْتَسَمَتْ لَهُ الثِّياب

.قَهْقَهَ رامي. قَهْقَهَتِ الثِّياب

طارَتِ الثِّيابُ كُلُّها صَوْبَهُ وَأَخَذَتْ مَكانَها عَلى جَسَدِه. وَثَبَ حَذاءُهُ إلى رِجْلِه، ضَرَبَ كَفُّهُ بِكَفِّ رامي وَانْعَقَدَ رِباطَيْهِ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسَيْهِما.    ا

.حَمَلَ رامي حَقيبَةَ ظَهْرِهِ وَأَسْرَعَ صَوْبَ أُمِّه

.ما الَّذي أَخَّرَك؟” سَأَلَتْه”

خَلَعَ رامي حِذاءَه، نَظَرَ إلى إِصْبَعِهِ وَأَجابَها: “كُنْتُ أَعْمَلُ عَلى حَلِّ مُشْكِلَةٍ طارِئَة، يا ماما”. ثُمَّ ابْتَسَمَ لَها.    ا

النَّوَسانِ = seesaw*