غَريبٌ في الطَّريقِ إِلى الْمَدْرَسَةِ

خلال سيرهما إلى المدرسة، يصادف نبيل ويارا رجلاً غريباً يصرّ على إيصالهما في سيارته. هل سيستجيبان له؟ 

بقلم: ديالا أرسلان تلحوق

الفئة العمرية: 12 سنة

 

مِنْ عادَةِ رِياض أَنْ يوصِلَ وَلَدَيْهِ مَشْياً إِلى الْمَدْرَسَةِ، لَكِنَّهُ مَرِضَ هَذا الصَّباح، فَاضْطُرَّ نَبيل وَيارا أَنْ يَسيرا وَحْدَهُما.

 

لِحُسْنِ الْحَظِّ أَنَّ الْمَدْرَسَةَ تَبْعُدُ شارِعَيْنِ: عَلَيْهِما فَقَطْ اجْتِيازِ الشّارِعِ الْعامِّ ثُمَّ الدُّخولِ في طَريقٍ فَرْعِيٍّ وَالسَّيْرِ إِلى آخِرِهِ، وَأَخيراً الاِنْعِطافِ يَساراً!

 

إِنْزَعَجَ نَبيلٌ انْزِعاجاً قَوِيّاً وَصارَ يَتَذَمَّرُ: “أوووف! أَشْعُرُ بِالْنُّعاسِ! لَمْ أَنَمْ مِلْءَ جُفوني!

– لَقَدْ حَذَّرْتُكَ مِنَ السَّهَرِ يا نَبيل!” أَجابَتْهُ أُخْتُهُ.

 

كانَ نَبيل يَسْهَرُ لِلَّعِبِ بِالْآي-باد، مَسْتَفيداً مِنَ انْشِغالِ والِدَتِهِ بِالْمَوْلودِ الْجَديدِ، وَتَأَخُّرِ والِدِهِ في الْمَكْتَبِ.

 

خَرَجَ الْأَخَوانُ مِن الزٌّقاقِ إِلى الشّارِعِ الْعامِ حَيْثُ تَكْثُرُ حَرَكَةُ السَّياراتِ وَالشَّاحِناتِ عَلى الطُّرُقاتِ… وَكانَتْ بَعْضُها تُطْلِقُ الْعَنانَ لِأَبْواقِها، وَالشّاحِناتُ تَنْفُثُ دُخاناً ذا رائِحَةٍ كَريهةٍ.

 

“أوووف يا يارا! هَذِهِ الزَّماميرُ تَصُمُّ الآذانَ… وَهَذا الدُّخانُ يَخْنِقُني! تَعالَي نَقْطَعُ الشّارِعَ مِنْ هُنا لِنَتَفادى التَّلَوُّثَ!

– لا يا نَبيل! هَذا الْمَكانُ غَيْرُ مُخَصَّصٍ لِعُبورِ الْمُشاةِ! يُمْكِنُ أَنْ نَتَسَبَّبَ بِحادِثٍ! أُصْبُرْ قَليلاً، فَالإِشارَةُ الضَّوْئِيَّةُ لَيْسَتْ بَعيدَةً، وَأَمامَها نَعْبِرُ الشّارِعَ بِكُلِّ أَمانٍ.

– فففففف!!! لَنْ يَحْصَلَ لَنا مَكْروهٌ! تَعالَي!

نَبيل! أتَذْكُرُ قَوْلَ جَدَّتِنا: “دِرْهَمُ وِقايةٍ خَيْرٌ مِنْ قِنْطارِ عِلاج”؟*

– طَيِّب تَعالَيْ نَدْخُلُ هَذا الزّاروبَ لِنَروقَ* قَليلاً!”

 

في الزّاروبِ، اقْتَرَبَ مِنْهُما شابٌ وَسَأَلَهُما: “إِلى أَيْنَ أَنْتُما ذاهِبانِ يا مُجْتَهِدان؟”

 

إِلْتَفَتَ نَبيلُ ويارا صَوْبَ الْغَريبِ.

 

لَمْ يُعْجِبْ يارا تَحَرُّشُهُ بِهِما… إِلْتَفَتَتْ يَميناً وَيَساراً، فَوَجَدَتِ الدَّكاكينَ ما زالَتْ مُقْفَلَةً وَالْبُيوتُ ساكِنَةً… لا بُدَّ أَنَّ السُّكّانَ ما يَزالوا نائِمينَ في هَذا الْوَقْتِ الْمُبْكِرِ. أَخْفَتْ يارا خَوْفَها وَاضْطِرابَها وَرَمَقَتِ الْغَريبَ بِنَظْرَةٍ قاسِيَةٍ.

 

أَمّا نَبيلُ – السَّريعُ الْبَديهَةِ لَكِنِ الْمُتَسَرِّعُ – فَأَجابَهُ: “إِلى الْمَدْرَسَةِ طَبْعاً! أَلا تَرى الْحَقائِبَ عَلى ظَهْرَيْنا؟

– وَلِماذا تَسيرانِ وَحْدَكُما؟ أَيْنَ أَهْلَكُما؟” سَأَلَهُما الرَّجُلُ الْغَريبُ.                                                                                                                عِنْدَها، جَذَبَتْ يارا أَخاها مِنْ يَدِهِ وَأَسْرَعَتْ خُطاها.

 

وَلَكِنَّ نَبيلاً الْتَفَتَ إِلى الْغَريبِ مُجيباً: “بابا مَريضٌ وَماما…!”

* “نروق” كلمة لبنانية تعني “نريح أعصابنا”.

لَحِقَ بِهِما الْغَريبُ مُقْتَرِحاً أَنْ يوصِلَهُما بِسَيّارَتِهِ إِلى الْمَدْرَسَةِ. وَقَدَّمَ لِنَبيلٍ قَنّينَةَ كولا.

هَمَّ نَبيلُ بِقُبولِ الْكولا، فَنَهَرَتْهُ يارا الَّتي أَحَسَّتْ أَنَّ تَصَرُّفاتِ الرَّجُلِ مَريبَةٌ: “كَيْفَ تَجْرُؤُ عَلى قُبولِ شَيْءٍ مِنْ شَخْصٍ غَريبٍ؟ أَنَسَيْتَ تَحْذيرَ أَهْلِنا لَنا بِعَدَمِ التَّعاطي مَعَ أَشْخاصٍ لا نَعْرِفُهُم؟”

 

قالَ لَهُما الْغَريبُ: “تَعالا مَعي بَدَلَ أَنْ تَمْشِيا وَتَتْعَبا… إِنَّ سَيَّارَتي مُجَهَّزَةٌ بِشاشَةِ تِلْفازٍ، وَسَأَدَعُكُما تُشاهِدانِ رُسومًا مُتَحَرِّكَةً وَ…

 

قاطَعَتْهُ يارا صارِخَةً بِوَجْهِهِ: “إِذْهَبْ عَنّا! وَكُفَّ عَنْ مُلاحَقَتِنا!”

 

إِحْتَجَّ نَبيلُ: “وَلَكِنَّني تَعِبْتُ مِنَ الْمَشي يا يارا! وَأَوَدُّ أَنْ أُشاهِدَ رُسوماً مُتَحَرِّكَةً في سَيَّارَةِ هَذا الرَّجُلِ الطَّيِّبِ!

– لا! لَنْ نَذْهَبَ مَعَه، فَالْمَظاهِرُ تَغُشُّ!” أَلَحَّتْ يارا عَلى أَخيها.                                                                                                               عِنْدَها، أَمْسَكَ الْغَريبُ بِيَدِ نَبيلٍ وَصاحَ بِيارا مُهَدِّدًا: “أُصْمُتي يا فَتاة! أَنْتِ لا تَعْرِفينَ صالِحَك! تَعالَ مَعي يا وَلَدُ!”

 

أَمْسَكَ الْغَريبُ بِيَدِ نَبيلٍ وَاقْتادَهُ بِسُرْعَةٍ إِلى سَيَّارَتِهِ… شَعَرَتْ يارا بِالْخَطَرِ، فَرَكَضَتْ وَراءَهُما… وَهالَها أَنْ تَرى أَخاها يَصْعَدُ إِلى سَيّارَةِ الرَّجُلِ! مَنْ هُوَ هَذا الرَّجُلُ؟ ماذا يُريدُ مِنْهُما؟

أَحَسَّتْ أَنَّها تَرْكُضُ في مَكانِها وَأَنَّ أَخاها سَيَضيعُ إِلى الأَبَدِ… فَأَلْقَتْ حَقيبَتَها أَرْضاً وَضاعَفَتْ مِنْ سُرْعَتِها حَتّى وَصَلَتْ إِلى السَّيَارةِ. رَكَلَتْ بابَها الْخَلْفِيَّ حَيْثُ يَجْلُسُ أَخوها وَضَرَبَتْ عَلى الزَّجاجِ وَهِيَ تَصْرُخُ بِأَعْلى صَوْتِها: “النَّجْدَة! النَّجْدَة! هَذا الرَّجُلُ يُحاوِلُ خَطْفَ أَخي! إِفْتَحِ الْبابَ مِنَ الدّاخِلِ يا نَبيل!”

 

أَطَلَّ رَجُلٌ مِنْ بابِ بِنايَةٍ وَوَلَدٌ مِنْ شُرْفَةٍ وَامْرَأَةٌ مِنْ شُبّاكِ غُرْفَتِها وَصاحَتْ: “ما الَّذي يَجْري تَحْت؟ ما هَذا الصُّراخِ في الصَّباحِ؟”

 

رَكَضَ الرَّجُلُ الشَّهْمُ… فَتَحَ بابَ السَّيّارَةِ الْخَلْفِيِّ وَأَخْرَجَ نَبيل، الَّذي كانَ قَدْ أَحَسَّ بِالْخَطَرِ بِدَوْرِهِ.

 

ذُعِرَ الْغَريبُ وَانْطَلَقَ مُسْرِعًا، عَجَلاتُ سَيّارَتِهِ تُطْلِقُ صَريرًا حادًّا عَلى الْإِزْفَلْتِ…

 

صاحَتْ يارا: “لَقَدْ أَفْلَتَ الْشِّرّيرُ!”

أَجابَها الرَّجُلُ: “الْمُهِمُّ أَنَّنا أَنْقَذْنا أَخاكِ!”

نَظَرَ نَبيل إِلى الرَّجُلِ نَظْرَةَ رَجاءٍ وَطَلَبَ مِنْهُ الْاِتَّصالَ بِوالِدِهِ.

 

وَصَلَ الْأَبُ مَذْعوراً… إِحْتَضَنَ وَلَدَيْهِ وَهْوَ يَرْتَجِفُ… طَلَبَ الشُّرْطَةَ…

وَصَلَتِ الشُّرْطَةُ بَعْدَ حينٍ، وبَدَأَتْ تَسْتَمِعُ إِلى أَقْوالِ الشُّهودِ.

سَلَّمَ نَبيل قَنّينَةَ الْكولا وَمَحْرَمَةً إِلى رَئيسِ الْمُحَقِّقينَ، قائِلاً: “كَيْ تَرْفَعوا بَصَماتِ الْخاطِفِ عَنِ الْقَنّينَةِ. وَفي هَذِهِ الْمَحْرَمَةِ عِلْكَةٌ بَصَقَها الْخاطِفُ.

     وَلِماذا تُعْطيني الْعِلْكَةَ؟” سَأَلَهُ الشُّرْطِيُّ الَّذي تَعَجَّبَ مِنْ سُرْعَةِ بَديهَةِ الْوَلَدِ.

“كَيْ تَأْخُذوا مِنْها دي. أن. آي. الرَّجُلِ!

     وَكَيْفَ تَعْرِفُ أَنْتَ عَنِ الدي. أن. آي؟

     أَنا أُتابِعُ الْمُسَلْسَلاتِ الْبوليسِيَّةِ!

     وَلَكِنْ كَيْفَ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلُفَّ الْعِلْكَةَ بِمَحْرَمَةٍ بِهَذِهِ السَّرْعَةِ؟

     إِنَّ الْخاطِفَ رَجُلٌ وَسِخٌ، فَقَدْ وَجَدْتُ الْعِلْكَةَ مَلْصوقَةً عَلى الْمِنْفَضَةِ الْخَلْفِيَّةِ أَمامي وَعُلْبَةَ الْمَحارِمِ بِجانِبي!”

 

وَبِالْفِعْلِ، تَمَّ إِلْقاءُ الْقَبْضِ عَلى الرَّجُلِ بَعْدَ رَفْعِ بَصَماتِهِ وَتَحْليلِ الدي. أن. آي. الْخاصِّ بِهِ.

وَاشْتَهَرَتْ قِصَّةُ يارا وَنَبيل وَاسْتَضافَتْهُما بَرامِجٌ تِلْفِزْيونِيَّةٌ عِدَّةٌ لِسُؤالِهِما عَنْ مُغامَرًةٍ شَيِّقَةٍ حَصَلَتْ مَعَهُما ذاتَ صَباحٍ…

 

 

* أَيْ أَنَّ الْاِحْتِياطَ مِنَ الْأَذى وَالْوُقوعِ في الْمَشاكِلِ أَحْسَنُ مِنْ مُعالَجَتِها.

أَلْقِطُّ ظَريف

بقلم: صباح ديبي

العمر: 5 سنوات

 

“ظَريف” قِطٌّ سَمين، يَلْعَبُ بِكُراتِ الصّوف، يُحِبُّ الرُّسومَ الْمُتَحَرِّكَةَ وَيُراقِبُ الْأَسْماكَ في حَوْضِ الْماء.

شَعَرَ ظَريفُ بِالْجوع، وَبَدَأَتْ مَعِدَتُهُ تُخْرِجُ أَصْواتاً عَجيبَة، جررررر … كراااااااك.

 

 َبِالْمُصادَفَة، مَرَّ بِجانِبِ غُرْفَةِ صاحِبِهِ وائِل، وَسَمِعَهُ يَتَحَدَّثُ عَبْرَ الْهاتِف: “أَهْلاً يا أَسْعَد. أَنا بِخَيْر، شُكْراً… حَقّاً! وَالْفَأْرَةُ… هَلْ تَبْدو جَميلَة؟ رائِع! سَأَحْضُرُ فَوْراً.”

 

راحَ ظَريفُ يُفَكِّرُ بِالْفَأْرَةِ الشَّهِيَّةِ ذاتِ الْفَرْوِ الرَّمادِيِّ الَّتي سَتَكونُ وَجْبَةً شَهِيَّةً لَه.

                                           مم يم يم.

القط ظريف - صباح ديبي.docx 1الرسمة: عبد الله دسوقي

 

بَدَأَ يَموءُ وَيَتَوَدَّدُ إلى صَديقِهِ                ميااااو مياااااو.

 

نَظَرَ وائِلُ إلى ظَريفٍ وَسَأَلَه: “ما بِكَ يا ظَريف؟ هَلْ تُريدُ الذَّهابَ مَعي؟”

قَفَزَ ظَريفُ عالِياً بِسَعادَة.              مياو مياو مياو

قالَ وائِل: “حَسَناً، هَيّا بِنا.”

 

وَبِلَمْحِ الْبَصَر، أَسْرَعَ ظَريفُ نَحْوَ الْباب، وَصارَ يَـمْشي بِفَخْرٍ وَسَعادَة، رافِعاً ذَيْلِهِ عالِياً. 

وَصَلَ وائِلُ وَظَريفُ إلى بَيْتِ أَسْعَد. وَما أَنْ فُتِحَ الْبابُ لَهُما، حَتّى انْدَفَعَ ظَريفُ إلى الدّاخِل، وَبَدَأَ رِحْلَةَ الْبَحْثِ عَنِ الْفَأْرَة.

 

بَحَثَ عَنْها فَوْقَ عَرَبَةِ الْأَطْفال،

تَحْتَ الْباب،

خَلْفَ السِّتارَة،

بَيْنَ الصُّحون،

وَأَمامَ الصُّنْدوق.

 

 لَكِنَّهُ أَبَداً لَمْ يُشاهِدْ فَأْرَةً تَتَجَوَّلُ في الْمَنْزِل، وَانْدَهَشَ حينَ لَمْ يَعْثُرْ عَلَيْها، وَتَساءَل: “أَيْن َ عَساها تَكون؟”

 

اقْتَرَبَ ظَريفُ مِنَ الصَّديقَيْن، رَأى شَيْئاً صَغيراً في يَدِ أَسْعَد، فَصَرَخ: “أَهااااا… ها هِيَ فَأْرَتي الْجَميلَة، وَ                        هوووووووب

قَفَزَ نَحْوَها وَحاوَلَ الْاِمْساكَ بِها، وَبَدَأَ يَـموءُ وَيَـموء.

الرسمة: عبد الله دسوقيالقط ظريف - صباح ديبي.docx 2

وَإذا بِها فَأْرَةُ جِهازِ الْكُمْبيوتِرِ الْاِلِكْتْرونِيَّة.

مُحْزِنٌ يا ظَريف!

لَقَدْ ظَنَّ الْفَأْرَةَ الْحَيَوانَ الصَّغيرَ الْمِسْكين.

 قالَ وائِل: “حَسَناً يا ظَريف، لَقَدْ خابَ ظَنُّكَ هَذِهِ الْمَرَّة، مَتى تَكُفُّ عَنِ الْمُشاكَسَة؟

 

خَجِلَ ظَريفُ مِنْ فِعْلَتِه، وَجَلَسَ يُلاعِبُ كُرَةَ صوفٍ صَغيرَة، إلى أَنْ غَلَبَهُ النُّعاس، وَنام.

شَجَرَةُ صَنَوْبَر

قصة: سحر نجا محفوظ

العمر: 10 سنوات

 

 

كانَ يا ما كان، شَجَرَةٌ عالِيَةٌ تُرافِقُ غُيومَ الشِّتاءِ وَتَنْحَنيَ أَمامَ شَمْسِ الصَّيْف.  

شَجَرَةُ صَنَوْبَرٍ ارْتَفَعَتْ في السَّماءِ وَغَطّى ظِلُّها بُقْعَةً كَبيرَةً مِنَ الْأَرْضِ حَوْلَها. 

 

مَسْكَنٌ لِلْعَصافيرِ وَدَليلٌ لِقاصِدِ الْغابَةِ كانَت.  

لَيْسَتْ مُلْكاً لِأَحَد، مَلِكَةُ نَفْسِها هِي، تَنْمو بَعْدَ الْمَطَرِ وَتَرْتَفِعُ أَذْرُعُها لِزُرْقَةِ الْفَضاء 

تَقَعُ ثِمارُها دونَ عَناء، فَيَلْتَقِطُها الْمارَّةُ أَوْ تَشْبَعُ مِنْها بَعْضُ الْحَيَواناتِ الصَّغيرَة. 

 

شَجَرَةُ صَنَوْبَرٍ كانَتْ رَمْزاً وَاسْماً لِذَلِكَ الْمَكَانِ “غابَةُ شَجَرَةِ الصَّنَوْبَر”.  

تُوَزِّعُ ابْتِسامَتُها لِلْجَميع، فَتَفْرَحُ بِزَقْزَقَةِ عُصْفورٍ صَغيرٍ تَعَلَّمَ الْغِناءَ فَوْقَ أَغْصانِها،  

وَتُسْعَدُ بِطُفْلٍ صَنَعَ لَهُ والِدُهُ أُرْجوحَةً بَيْنَ ثَناياها. 

رَمْزُ النَّقاءِ وَالصَّفاء، هَدِيَّةً مِنَ السَّماء، وَلَكِن… 

 

أَرادوا رَفْعَ الْحَجَرِ وَهَدْمَ الشَّجَر، أَرادوا لَلْغابَةِ الجْمَيلَةِ أَنْ تَتَحَوَّلَ إِلى مَسْكَنٍ لِلْبَشَر. 

بَكَتْ شَجَرَةُ الصَّنَوْبَر. ذَبُلَتْ بَعْدَ أَنْ أَحَسَّتْ بِالْخَطَر.  

 

الْأَشْجارُ حَوْلَها تَتَهاوى، وَدَوْرُها آتٍ قَريباً.  

تَجَمَّعَتِ الْعَصافيرُ لِحِمايَتِها، وَقَفَتِ الْحَيَواناتُ حَوْلَ جِذْعِها،  

اسْتَنْجَدَ الْوالِدُ وَرَفَعَ الصَّوْت، وَلَكِنَّ حُكْمَ الْاِعْدامِ كانَ قَدْ صَدَر. 

 

شَجَرَةُ صَنَوْبَرٍ أَصْبَحَتْ حَطَباً شَتَوِيّاً، فَضاعَتْ زَقْزَقَةُ الْعَصافيرِ وَسَقَطَتِ الْأُرْجوحَة،  

ضاعَ الْهَواءُ الْعَليلُ وَأَصْبَحَتْ غُيومُ الشِّتاءِ وَحيدَةً بِلا صَديق، وَشَمْسُ الصَّيْفِ بِلا رَفيق. 

وَما زالَتِ النّاسُ تُسَمّيَ تِلْكَ الْمِنْطَقَةَ “حَيُّ شَجَرَةِ الصَّنَوْبَر”!! 

 

الْعُصْفورُ الصَّغيرُ لَمْ يَقْطَعِ الْأَمَلَ وَالطِّفْلُ كَبُرَ وَتَذَكَّرَ وَبَدَأَ الْعَمَل،  

سَنَزْرَعُ الشَّجَرَ حَوْلَ الْحَجَر، وَسَنَأْتي بِصَنَوْبَرَةٍ جَميلَةٍ تَمْلَأُ دُنْيانا خَضَر… 

هَذا حِلْمُنا، هَذا أَمَلُنا. 

 

 

الخروفُ الصَّغيرُ

بقلم: تاليا عقيلي

 

في أرضِ الخَيال، تَعيشُ فتاةٌ اسمُها تاليا، عيناها زرقاوانِ كَزُرْقَةِ البَحرِ، تلمَعانِ تحت َأشِعَّةِ الشَّمس. شعرُها بُـنـِّيٌّ كَالشّوكولا، رائحَتُهُ كَرائحَتَيْها الْمُفَضَّلَتَيْن: فانيليا وَخَشَبِ الصَّنْدَل. تنتعل حذاء بلون الخوخ.

 

مَرَّةً، صادفَتْ خَروفاً صَغيراً أبيضَ الفَرْوِ، زَهْرِيُّ الأنفِ، أسودُ العَيْنَيْن.

لِلْحالِ، أحبَّتْ تاليا الخروفَ حُبّاً كبيراً.

 

عِندما نادَتْها والِدَتُها آخرَ النَّهارِ، حَزِنَتْ لِفُراقِ الخروفِ الصَّغيرِ وَعادَتْ كَئيبَةً إلى البيتِ، تَعَشَّتْ وَنامَت.

صباحَ اليومِ التّالي، استيقظَتْ تاليا مُبْتَهِجَةً وَأسرَعَتْ خارِجَ البيتِ بِبيجامَتِها، على وجهِها ابتسامَةٌ عريضةٌ، وَمُتَحَمِّسَةً لِرُؤيةِ خروفِ الأَمس.

وَها هو الخروفُ الصَّغيرُ “الطَّيّوبُ” أمامَها. فكّرَتْ أنَّهُ عَلَيْها أنْ تُطْلِقَ اسْماً عَلَيْه. قرَّرَتْ أنْ تُسَمِّيَهُ “ويلْبُر”، غيرَ آبهةٍ أنَّ هذا الاسمَ يناسبُ الخنازير. لكنْ، لم يَبْدُ على الخروفِ الصَّغيرِ أنَّهُ يمانِعُ، فارْتاحَتْ تاليا.

بَعْدَ فُراقِ أمسِ الأليمِ، رأتِ الفتاةُ أنهُ مِنَ الْمُناسبِ أنْ ترتاحَ هيَ وَ”ويلْبُر”، فَتَناوَلا الفُطورَ معاً وَلعِبا طَوالَ النَّهار.

 

سمحَتْ والدةُ تاليا لها بِالاحتِفاظِ بِالخروفِ، شرْطَ أنْ تَهْتَمَّ بهِ جَيِّداً، وَقَدْ فَعَلَت.

 

عَصْرونِيَّةٌ مَلَكِيَّةٌ

أرادت أختان أن تصلحا ما أفسدتا، فزادتا الطين بلّة.                                        ا

 

بقلم: ديالا أرسلان تلحوق
الفئة العمرية: 7 سنوات

 

فَتَحَتْ ماما عَلَيْنا الْبابَ وَصَرَخَت: “ماذا تَفْعَلان؟!”
كُنّا أُخْتي وَأَنا نَسْبَحُ في الْمَغْطَسِ كَما تَعَوَّدْنا أَنْ نَفْعَلَ كُلَّ يَوْم. فَلِماذا طارَ عَقْلُها؟

نَحْنُ نَسْبَح!” أَجَبْتُها.
“وَنَسْتَحِمُّ مِثْلَ الْمَلِكَةِ كليوباترا،” قالَتْ أُخْتي وَهِيَ تُشيرُ إلى مَجْمَعِ حَليبٍ ناشِفٍ مَطْروحٍ أَرْضاً.
“تَسْتَحِمّانِ بِالْحَليب؟!
– أَجَل، نَسْتَحِمُّ بِالْحَليب،” قُلْنا وَرُحْنا نُغَنّي:                                                                                            ا

بَشَرَة أَبْيَض مْنِ الْقَشْطَة
أَنْعَمْ مِنْ غَزْل الْبَنات
ريحِتا أَطْيَبْ مْنِ الْفانيليا
وْمِنْ كِلّ باقات الوَرْدات

وْخاروبِيّة مِتْل الْفارَة!” صَرَخَتْ فينا ماما، وَتابَعَت: “وَمَنْ قالَ أَنَّكُما كليوباترا؟!
“لِمَ التَّعْصيب؟ أَلَسْتِ مَنْ أَلْبَسْتِنا تاجَيْنِ وَقُلْتِ أَنَّنا مَلِكَتان؟ وَكليوباترا كانَتْ أَجْمَلَ مَلِكَةٍ لِأَنَّها كانَتْ تَسْتَحِمُّ بِالْحَليب.
– لا، نَفَرْتيتي كانَتْ أَجْمَلَ مَلِكَة. وَلَكِنْ لا تُشَتِّتا تَفْكيري! هَذا لَيْسَ مَوْضوعُنا! أَوَّلاً، كانَ عَلَيْكُما أَنْ تَطْلِبا الْإِذْنَ مِنّي، وَ… وَ… وَثانِياً، ما هَذا التَّبَرُّج؟” قالَتْ وَقَدِ انْتَبَهَتْ إلى جُفونِنا الزَّرْقاءَ وَشِفاهِنا الْحَمْراء. أَشَرْنا إلى مَجَلَّةٍ مَطْروحَةٍ عَلى كُرْسِيِّ الْحَمّام، عَلَيْها صورَةُ كليوباترا.          ا

قَلَبَتْ ماما عَيْنَيْها إلى أَعْلى وَوَضَعَتْ زِنْدَها عَلى جَبينِها وَأَكْمَلَت: “ثالِثاً، لَقَدْ أَهْدَرْتُما مَجْمَعَ حَليبٍ كامِل! كانَ بِوِسْعي أَنْ أَعْمَلَ مُهَلَّبِيَّةً أَوْ قَشْطَلِيَّةً أَوْ أَرُزًّا بِالْحَليب، أَوْ… أَوْ…”
لَمْ تَسْتَطِعْ ماما أَنْ تُكْمِلَ جُمْلَتَها، فَهِيَ لَمْ تَشْعُرْ يَوْماً بِهَذا الْغَضَبِ الْكَبير.
ثُمَّ قالَت: “سَأَذْهَبُ إلى الدُّكّانِ لِأَشْتَرِيَ مَجْمَعَ حَليبٍ جَديد، وَعِنْدَما أَعود، سَأُؤَدِّبُكُما.” خَرَجَتْ مِنَ الْحَمّامِ وَصَفَقَتِ الْبابَ وَراءَها.
نَظَرْتُ إلى أُخْتي وَقَدْ شَعَرْتُ أَنَّنا اقْتَرَفْنا ذَنْباً عَظيماً. رَأَيْتُ دُموعاً في عَيْنَيْها. إحْمَرَّتْ وَجْنَتايَ وَسَخُنَتْ أُذُناي

وَفَجْأَة، خَطَرَتْ لي فِكْرَةٌ مُمْتازَة!
صحْتُ: “أَنا أَعْرِف! أَنا أَعْرِف! سَنَدْعو أَوْلادَ الْجيرانِ كُلَّهُمُ عَلى عَصْرونِيَّةِ حَليبٍ وَكَعْك!”                                               ا

أَتى الْمَدْعُوّونَ بِأَكْوابِهِمِ الْمُلَوَّنَة، غَرَفوا الْحَليب، غَطَّسوا الْكَعْكَ في الْمَغْطَس، وَضَحِكوا كَثيراً لِغَرابَةِ الدَّعْوَةِ تِلْك. حَفْلَةٌ في حَمّام!
زَعَقوا: “هَذِهْ أَطْرَفُ عَصْرونِيَّة!”                                                                                                                   ا

فَجَأَة، سَمِعْنا صَوْتَ ماما: “ماذا فَعَلْتُما؟؟!!!”                                                                                                      ا

“مسرحية “شُجارٌ في الْفَلَك

بقلم: ديالا أرسلان تلحوق
الفئة العمرية: 11 سنة

الشخصيات:
كوكب الأرض
كوكب الشمس
بلوتو
القمر
نجوم

:المشهد الأول

.نورٌ قَوِيٌّ يَسْطَع. كَوْكَبُ الْأَرْضِ يَتَقَدَّمُ وَيَدُهُ عَلى جَبينِه

الأرض: آخ! رَأْسي يُؤْلِمُني! أَشْعُرُ بِالْحَرِّ وَالتَّعَب. سَآخُذُ حَرارَتي…
تَأْخُذُ حَرارَتَها، ثُمَّ تَصْرُخ: يااااه! إنَّ حَرارَتي مُرْتَفِعَةٌ جِدًّا! سَيَذوبُ ثَلْجي وَسَتَتَبَخَّرُ مِياهي!
ثُمَّ تُنادي الشَّمْس: يا شَمْس!
تَتَقَدَّمُ الشَّمْسُ لِتُعانِقَ الْأَرْضَ وَتَسْأَلُها: ما بِكِ يا رَفيقَتي؟
تَصْرُخُ الْأَرْضُ بِهَلَع: لا! لا تَقْتَرِبي مِنّي!
الشَّمس: لِماذا تَصُدّينَني؟ أَنا رَفيقَتُك!
الأرض: مِنْ فَضْلِكِ ابْتَعِدي قَليلاً! أَنْتِ تُحْرِقينَني بِأَشِعَّتِك!
الشَّمس: لَقَدْ تَجاوَرْنا مَلايينَ الدُّهورِ وما أَحْرَقَتْكِ أَشِعَّتي يَوْماً! لا بُدَّ أَنَّ هُناكَ مُشْكِلَة ما!
الأرض: لَوْ سَمَحْتِ… ابْتَعِدي! ابْتَعِدي!
الشَّمس: أَتَطْرُدينَني مِنْ مَوْقِعي؟ هَذا مَكاني، خُلِقْتُ فيهِ وَلا أَتَحَرَّكُ مِنْهُ أَبَدًا، بَلْ أَنْتِ تَدورينَ في فَلَكي! لِذَلِكَ ابْتَعِدي أَنْتِ مِنْ فَضْلِك

.لَكِنَّ الْأَرْضَ تُعانِدُ وَلا تَتَزَحْزَحُ. وَالشَّمْسُ أَيْضاً لا تَتَزَحْزَح، بَلْ تُكْمِلُ حَياتَها تُشِعُّ وَتَسْطَعُ دونَ انْقِطاع

 

:المشهد الثاني

…بَعْدَ مُدَّة، تَبْدَأُ الْأَرْضُ تَتَغَيَّرُ وَتَرْتَفِعُ حَرارَتُها أَكْثَر، فَتَغْضَبُ

الأرض: يا شَمْسُ يا شَقِيَّة! أُنْظُري ماذا تَفْعَلُ أَشِعَّتُكِ بي! إِنَّ الْقُطْبَيْنِ الشَّمالِيَّ وَالْجَنوبِيَّ يَذوبان! جِبالٌ مِنَ الْجَليدِ تَنْهار! الْأَنْهارُ وَالْبِحارُ تَفيضُ وَتُغْرِقُ مُدُناً، وَالْجَفافُ يَزْدادُ حِدَّةً في الْمَناطِقِ الْجافَّةِ وَالْبَرْدُ يَزْدادُ حِدَّةً في فَصْلِ الشِّتاء! كَمْ أَنْتِ مُؤْذِيَةٌ!          ا

عِنْدَ سَماعِها هَذا اللَّوْم، تَسْطَعُ الشَّمْسُ بِقُوَّةٍ أَكْبَر، وَتَصيحُ غاضِبَة: أَلَمْ أَقُلْ لَكِ أَنَّني لا أَسْتَطيعُ الْاِبْتِعاد؟! عَلَيْكِ أَنْ تَحُلّي مُشْكِلَتَكِ بِنَفْسِكِ وَتَبْتَعِدي أَنْتِ مِنْ هُنا!          ا

.وَيَعْلو الصُّراخ… يَسْمَعُ بلوتو الشُّجارَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالشَّمْس، ويَهْرَعُ صَوْبَهُما لِيَرى ما الْأَمْر. تَتَجَمَّعُ النُّجومُ تَسْتَطْلِعُ الْأَمْر

النجوم: ماذا يَحْصُلُ يا بلوتو؟
بلوتو: إِنَّ الْأَرْضَ وَالشَّمْسَ عَلى وَشَكِ أَنْ تَتَقاتَلا! مِنَ الْأَفْضَلِ لي أَنْ أَبْتَعِدَ مِنْ هُنا!          ا

يَهْرُبُ بلوتو إِلى الْبَعيدِ حَيْثُ لا يَصِلُهُ َأيُّ نورٍ أَوْ دِفْءٍ مِنَ الشَّمْس، فَيَتَجَمَّد.
تَلْتَحِمُ فَضَلاتُ كُوَيْكِباتٍ وَتُزَنِّرُ الْمَجَرَّةَ كَيْ تَحْوِيَ الْمُشْكِل، فَيَتَشَكَّلُ زُنّارُ “كيبِر”.
بِدَوْرِها، تَخافُ الْغُيومُ مِنْ حِدَّةِ التَّصادُمِ الْكَلامِيِّ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْأَرْض، فَتَبْدَأُ بِبُكاءٍ عاصِف.          ا

الأرض: أَيُسْعِدُكِ أَيَّتُها الشَّمْسُ أَنْ تَحْزَنَ طَبيعَتي فَتَبْكي غُيومي وَيَرْتَفِعُ عَويلُ عَواصِفي وَتَتَساقَطُ أَوْراقُ أَشْجاري وَيَهيجُ بَحْري؟
الشَّمس: أَلا تَفْهَمينَ أَنَّهُ لَوْلا دِفْئي وَنوري لَهَلَكْتِ؟ انْظُري ماذا حَلَّ بِبلوتو!
الأرض: يا لِتَكَبُّرك!          ا

 

.يَدْخُلُ الْقَمَر

القمر: ما هَذا الصُّراخ؟ لَقَدْ أَقْلَقْتُما راحَتي!
الأرض: أَصْبَحَتِ الشَّمْسُ تُشَكِّلُ خَطَرًا عَلَيَّ، بَعْدَ أَنْ كانَتْ رَفيقَتي، تُشِعُّ عِليَّ نورًا وَدِفْئًا! لَقَدِ ارْتَفَعَتْ حَرارَتي وَاخْتَلَّ تَوازُنُ طَبيعَتي!
الشَّمس: لَسْتُ مُذْنِبَة! فَأَنا لا أَسْتَطيعُ أَنْ أَتْرُكَ مَكاني! هَكَذا خُلِقْت! إِنَّ الْأَرْضَ هِيَ مَنْ تَدورُ في فَلَكي، لِذَلِكَ عَلَيْها هِيَ أَنْ تَبْتَعِدَ عَنّي!
القمر: لِمَ لا تَبْتَعِدينَ أَيَّتُها الْأَرْضُ وَتُجَنِّبينَ طَبيعَتَكِ وَإِنْسانَكِ الْهَلاك؟
الأرض: لِأَنَّني مَريضَةٌ وَأَشْعُرُ بِالسُّخونَة! لا قُوَّةَ لي عَلى الْاِبْتِعاد!
القمر: الْحَلُّ سَهْل. سَأَقِفُ بَيْنَكُما كَيْ تَتَوَقَّفا عَنِ الشُّجار، فَقَدْ أَزْعَجْتُما سائِرَ الْكَواكِبِ وَالنُّجوم!          ا

.يَتَحَرَّكُ الْقَمَرُ وَيَقِفُ بَيْنَ الْمُتَخاصِمَتَيْن، فَيُوَلِّدُ كُسوفاً

 

:المشهد الثالث

الأرض: آه! إِنَّ كُسوفَ الشَّمْسِ لا يُناسِبُني! فَقَدْ ذَبُلَتْ أَزْهاري وَقَلَّتْ مَحاصيلي وَبَرُدَ إِنْساني وَبَدَأَ الْجَليدُ يَزْحَف! ما الْعَمَل؟
القمر: أَلَسْتِ سَعيدَةٌ يا أَرْضُ بِأَنَّني أَرَحْتُكِ مِنْ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ الْحارِقَة؟
الأرض: بِصَراحَة… لا…
القمر: وَلِمَ لا؟ ظَنَنْتُ أَنَّ الشَّمْسَ تُزْعِجُك…
الأرض: كانَتْ بِالْفِعْلِ تُزْعِجُني وَتُؤْذيني، لَكِنَّ غِيابَها عَنّي أَسْوَأُ مِنْ حُضورِها. عَلَيْكَ أَنْ تَبْتَعِدَ أَيُّها الْقَمَرُ كَيْ تَعودَ الشَّمْسُ تُشْرِقُ عَلَيَّ مِنْ جَديد.          ا

…يَبْتَعِدُ الْقَمَرُ تَدْريجِيًّا، وَتَبْتَعِدُ الْأَرْضُ قَليلاً، فَتُشْرِقُ الشَّمْسُ عَلَيْها بِلَطافَةٍ

الشَّمس: صَباحُ الْخَيْرِ أَيَّتُها الْأَرْض.
الأرض: صَباحُ الْخَيْرِ أَيَّتُها الشَّمْس. ما أَجْمَلَ نورَكِ وَدِفْئَك! لَقَدْ شَعَرْتُ بِالْبَرْدِ وَالْخُمولِ مِنْ دونِك.
الشَّمس: أَيَّتُها الْمِسْكينَة! الآنَ وَبِما أَنَّكِ ابْتَعَدْتِ قَليلاً، سَوْفَ تَشْعُرينَ بِالدِّفءِ اللَّذيذِ، لا بِالْأَشِعَّةِ الْمُحْرِقَة. وَلَكِنْ لِماذا حَصَلَ ما حَصَلَ؟ لَمْ تَكُنْ أَشِعَّتي تُحْرِقُكِ مِنْ قَبْل! أَلَعَلَّكِ أَصْبَحْتِ عَجوزَة؟
القمر (وهو يضحك): لَمْ تُصْبِحْ عَجوزَة. هُناكَ ثِقْبٌ في طَبَقَةِ الْأُوزونِ الْخاصَّةِ بِها وَانْبِعاثٌ كَثيفٌ لِثاني أوكْسيدِ الْكَرْبون. هَذا هُوَ سَبَبُ شَعورِها بِالْاِحْتِراق. إِنَّ الطَّبيعَةَ وَالْإِنْسانَ كِلاهُما مَسْؤولانِ عَنْ ذَلِكَ.
الأرض وَالشّمس: كَيْف؟
القمر: ثَوَراتُ الْبَراكينِ وَتَجَشُّؤُ الْحَيَواناتِ وَرَوْثُها تَبْعَثُ بِالْكارْبونِ في الْجَوّ.
الشّمس: وَالْإِنْسان، كَيْفَ أَساءَ إِلَيْها؟
القمر: الْإِنْسانُ أَساءَ إِلَيْها عِنْدَما اسْتَغَلَّها وَاسْتَنْفَدَ كُلَّ طاقاتِها وَخَيْراتِها مِنْ سَطْحِها وَمِنْ باطِنِها. حَفَرَها وَاسْتَخْرَجَ مِنْها النِّفْطَ وَالْفَحْمَ الْحَجَرِيَّ وَاسْتَعْمَلَها في مَعامِلٍ وَصِناعاتٍ تُضِرُّ بِالْبيئَة. أَزالَ الْأَحْراجَ فَقَلَّ الْأُوكْسِجين، وَطَمَرَ النُّفاياتِ عَشْوائِيّاً فَصارَ يَنْبَعِثُ غازُ الْميثانِ كُلَّما تَحَلَّلَتْ تِلْكَ النُّفايات. وَكُلُّ ذَلِكَ سَبَّبَ انْبِعاثاً حَرارِيّاً هائِلاً يُمْكِنُهُ أَنْ يُدَمِّرَ الْأَرْض.
الأرض: يا وَيْلي! سَيُدَمِّرُني الْاِنْبِعاثُ الْحَرارِيُّ!
القمر: لا تَقْلَقي، الْعُلَماءُ وَالْمَسْؤولونَ في كَوْكَبِكِ مَشْغولونَ بِالْبَحْثِ عَنْ وَسائِلٍ بَديلَةٍ لِلطّاقَة، وَقَدْ تَعَهَّدَتِ الْمُدُنُ وَرِجالُ الْأَعْمالِ وَالْعَديدُ مِنَ الْبُلْدانِ بِأَنْ تُخَفِّفَ مِنَ الْاِنْبِعاثِ الْحَرارِيِّ وَالتَّلَوُّثِ وَتُجَنِّبَكِ الْمَزيدَ مِنَ الضَّرَر.
الأرض: وَهَلْ هَذا كاف؟

 

.تومِضُ النُّجومُ وَتَتَراقَصُ وَتُشارِكُ في الْحَديث

نجمة راقصة: لا، هَذا غَيْرُ كاف، لِذَلِكَ تَعْمَلُ مَجْموعاتٌ مُهْتَمَّةٌ بِالْبيئَةِ عَلى تَشْجيعِ النّاسِ عَلى فَرْزِ وَإِعادَةِ تَدْويرِ نُفاياتِهِمْ. وَصارَ الْعَديدُ مِنْهُمُ يَخْلُطُونَ في مُسْتَوْعَباتٍ خاصَّةٍ الْأَوْراقَ وَالرَّوْثَ لِصَنْعِ سَمادٍ عُضْوِيّ.
نجمة لولبية: هُناكَ مَنْ يَسْتَعْمِلُ لَمْباتِ تَوْفيرٍ صَديقَةٍ لِلْبيئَة، وَيَنْزَعُ الْقَوابِسَ مِنَ الْحائِطِ عِنْدَما لا يَسْتَعْمِلُ الْأَدَواتِ الْكَهْرَبائِيَّة.
نجمة نطناطة: وَهُناكَ مَنْ يُعيدُ اسْتِعْمالَ الْعُلَبِ وَالْأَوْراق، وَيَسْتَبْدِلُ أَكْياسَ قُماشٍ أَوْ كَرتونٍ بِأَكْياسِ النّايْلون، وَلَمْ يَعُدْ يَسْتَعْمِلُ الْبلاسْتيك.
نجمة هزهازة: وَهُناكَ مَنْ يَأْخُذُ حَمّاماً سَريعاً كَيْ يُوَفِّرَ مِنَ اسْتِعْمالِ الْماء.
نجمة غمّازة: وَهُناكَ مَنْ يَنْشُرُ غَسيلَهُ في الْهَواءِ الطَّلْقِ وَلا يَسْتَعْمِلُ نَشّافَة.
القمر: يا أَرْضُ، إِنَّ إِنْسانَكِ عاقِل، سَيُنْقِذُكِ، فَأَنْتِ أُمُّه.
الأرض: عَساهُ يَنْجَح…          ا

     تُسْدَلُ السِّتارَة